هناك شيء رائع في شرب كوب من الشاي كل يوم، سواء كان ذلك هو أول كوب من الشاي خلال اليوم أو فنجان شاي خلال استراحة قصيرة ولكن ممتعة بين قيامك بالمهام الأخرى، أو الساعات الجميلة عند الجلوس مع الأصدقاء مع كوب بعد آخر فإن الشاي له شيء سحري تقريبًا حيث استمتعت به البشرية منذ آلاف السنين وحتى يومنا هذا.
ووفقًا لعناوين الدراسات العلمية الأخيرة فقد يكون أيضًا دواءً شاملاً منقذًا للحياة الإنسانية هذا أمر مثير للإعجاب بالنسبة لـ مشروب مصنوع من الماء الساخن بواسطة بعض أوراق النباتات المجففة.
تسرد القصص الإعلامية من جميع أنحاء العالم مؤخرًا بأن شرب الشاي يقلل من خطر الوفاة، حيث تقل احتمالية وفاة أولئك الذين يتناولون بضعة أكواب من الشاي في اليوم بنسبة 13٪ مقارنة بأولئك الذين يمتنعون عن تناول الشاي.
النظرية هي أن المواد الكيميائية النباتية المختلفة (المركبات الموجودة في النباتات) في الشاي قد تجعل الناس أكثر صحة مما يمكن أن يكونوا عليه بدونها.
كانت هذه النظرية تتنقل لفترة طويلة بين الناس فهل هذا الإِدعاء صحيح إن كان كذلك فسيكون أمرًا رائعًا إلى حد ما، الشاي هو في الأساس منتج خالٍ من المخاطر التي قد تؤثر على جسم الإنسان لذلك إذا تمكنا من تقليل مخاطر الإصابة بالأمراض بشكل كبير ببضعة أكواب من الشاي خلال اليوم فسيكون ذلك أحد أفضل الأشياء التي يمكنك القيام بها من أجل صحتك.
لسوء الحظ فإن الأدلة ليست قوية كما قد تكون سمعت، الشاي رائع بكل تأكيد اشرب منه قدر ما تريد لكن العلم الحديث لا يَدعم حقًا فكرة أن شرب فنجان أو كوبين في اليوم من الشاي سينقذ حياتك.
ماذا تقول الدراسة الجديدة حول شرب الشاي؟
نُشرت الورقة البحثية التي يُناقش فيها الجميع مزايا الأوراق المطهية مؤخرًا في المجلة المرموقة حوليات الطب الباطني Annals of Internal Medicine ونُظر فيها إلى أراء مجموعة كبيرة جدًا من الأشخاص من 500000 في المملكة المتحدة، لقد كانت ورقة بحثية قياسية إلى حد ما حيث أخذ الباحثون قياسات أساسية لمجموعة كبيرة من الأشخاص في إنجلترا.
تم سؤال هؤلاء الأشخاص عن كمية الشاي التي يشربونها ثم قام الباحثون بمتابعة أمرهم لمدة عقد تقريبًا، بعد تصحيح الأمور المربكة حول التقارير وجدوا أن احتمالات الوفاة خلال هذا العقد لمن شرب 3-4 أكواب من الشاي يوميًا كانت أقل بنسبة 13٪ من أولئك الذين لم يشربوا الشاي على الإطلاق.
بشكل عام كانت هذه دراسة مفيدة حيث قام الباحثون بالتحكم في المخاوف الشائعة حول الشاي وكان لديهم قاعدة بيانات كبيرة ومفيدة للغاية وكانت المتابعة مرتبطة بأنظمة الإبلاغ عن الوفيات لذا كانت التقارير عالية الجودة أيضًا، لكن على الرغم من هذا هناك عدد من المشكلات الواضحة في فكرة أن الشاي يتسبب في انخفاض ملحوظ في الحالات الصحية السيئة والتي توصلت إليها الدراسة.
المشكلات المتعلقة حول دراسة أهمية الشاي لـ تحسين الحالة الصحية
المشكلة الأولى التي نواجها هي ما يعرف بالتدرج البيولوجي وهذا مفهوم بسيط جدًا ومهم جدًا في علم الأوبئة بالتحديد مع التطور الهائل في علم الفيروسات، معظم الأشياء التي تؤثر على صحتنا سواء كانت جيدة أو سيئة تتبنى نوعًا من المنحنى المتزايد كلما تعرضت لها.
على سبيل المثال عزيزي القاريء يُعد التعرض للأسبستوس أمرًا سيئًا ، وكلما زاد التعرض له كان الأمر أسوأ حيث يُعد الأمينيت مُسبب حقيقي لـ مرض السرطان، وبالمثل فإن التمارين الرياضية تُحسن من الصحة العامة والتقليل من علامات الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية كما أن ممارسة المزيد من التمارين لها تأثير أكبر على الصحة العامة للإنسان.
يُمكننا تطبيق الفكرة السابقة على موضوعنا اليوم شرب فنجان من الشاي، الشاي جيد جدًا لأنه يحتوي على مواد كيميائية مفيدة للصحة بشكل غير عادي، لذا فإن المزيد من الشاي يمنحك المزيد من المواد الكيميائية وسيكون أفضل بالطبع لـ صحتك، بعبارة أخرى إذا كان الشاي يُسبب بالفعل تحسينات في النتائج الصحية للأشخاص فإن ما نتوقعه هو أن الأشخاص الأكثر تعرضًا لخطر الموت في الدراسة السابقة هم الأشخاص الذين شربوا الشاي بكميات كبيرة.
للأسف ما توصلت إليه الدراسة في الواقع هو أن الأشخاص الذين لم يشربوا أي نوع من الشاي كانوا معرضين لخطر أكبر عن غيرهم، لكن هذا الانخفاض في معدل المخاطر الصحية ظل ثابتًا تمامًا بمجرد أن يصل الشخص لـ شرب إلى حد كوبين تقريبًا في اليوم.
وإذا فكرت في المكان الذي أجريت فيه هذه الدراسة (المملكة المتحدة) وخاصة إنجلترا فهذه الفكرة منطقية جدًا، الأشخاص الذين نشأوا في لندن من غير المعتاد أن تجد منهم شخصًا لا يشرب الشاي على الإطلاق أو أقل من 10 أكواب من الشاي في اليوم.
ترى هذا بوضوح في تحليل الحساسية الذي قام به الباحثين إذا قارنوا الأشخاص الذين يشربون كوبًا واحدًا من الشاي يوميًا بمن يشربون كوبين أو أكثر فستكون الفائدة أقل بكثير بالمقارنة مع شخص يشرب كوبًا واحدًا أو أقل من الشاي يوميًا، فإن الشخص الذي يشرب 4-5 أكواب كانت نسبته 8٪ فقط بدلاً من 13٪ أقل عرضة للوفاة حسب المذكور في هذه الدراسة.
وتجدر الإشارة أيضًا إلى مشكلة هامة وهي الخطر المُطلق مُقابل الخطر النسبي، في هذه الحالة الخطر النسبي للوفاة وهو الرقم الرئيسي أقل بنسبة 13٪ ، لكن الخطر المطلق انخفض بنسبة 1٪ فقط، مزيد من التوضيح مقابل كل 100 شخص لا يشربون الشاي على الإطلاق نتوقع وفاة حوالي 6 على مدار عقد من الزمان.
ذلك إذا افترضنا أن النتائج كانت سببية وأن الشاي يقلل من خطر الوفاة، فإن جعل هؤلاء الأشخاص المائة أنفسهم يشربون بدلاً من ذلك 2-5 أكواب من الشاي يوميًا كل يوم لمدة عقد من الزمن سيؤدي إلى وفاة شخص واحد بشكل عام.
خلاصة الأمر
لاحظ عزيزي المتابع أن الباحثين في النهاية لم يقولوا أن الشاي يُنقذ الأرواح من الهلاك المُحقق، حيث لم يقولوا إن هذه العادة (شرب الشاي) يجب أن تتبع لـ دفع قدرتك بالممارسة السريرية للأفضل ولا يجب على الناس شرب المزيد من الشاي للبقاء في صحة جيدة، بل قالوا ببساطة إن الدراسة تقدم دليلًا على أن الشاي ربما ليس ضارًا وأنه يمكنك شربه إذا أردت.
هل شرب الشاي كل يوم مفيد لـ صحة الإنسان حقًا؟
نعم يحتوي الشاي على مواد كيميائية نباتية قد يكون لها بعض الفوائد الصحية ولكن حتى عندما تتم دراستها في أشكال حيوية عند دخول جسم الإنسان فإنها غالبًا لا تُظهر أي تحسينات أو تظهر الحد الأدنى من التحسينات على صحة الإنسان، حتى لو كانت هناك فوائد للشاي حقًا يتعين عليك زيادة مدخولك اليومي بشكل كبير لمدة عقد كامل على الأقل للحصول على تلك الفوائد ومن المحتمل أن تكون قليلة جدًا على أي حال.
التفسير الأكثر ترجيحًا للنتائج التي شوهدت في هذه الدراسة هو أن الأشخاص الذين يشربون كميات مختلفة من الشاي يختلفون اختلافًا جوهريًا عن بعضهم البعض بطرق يجد علماء البحث الوبائي صعوبة في قياسها، مما يعني أنه ليس الشاي ينقذ الأرواح بقدر ما هو منقذ للحياة وهذا من الأشياء التي ترتبط باحتمالية أن شرب الشاي أمر مفيد للصحة.
لذا اشرب الشاي إذا أردت إذا لم يكن هناك شيء آخر فإن هذه الدراسة تُظهر أنه حتى شرب الكثير من الشاي من غير المحتمل أن يكون ضارًا بصحتك، فقط لا تبدأ بشراب الشاي في الصباح الباكر دون الحصول على إفطار جيد من أجل مواصلة العمل بوتيرة جيدة حيث أن شرب الشاي لا يُغني عن الطعام الصحي لصحتك الجسدية والعقلية.